الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى
.(فَصْلٌ): [شرطُ النِّصَابِ]: (وَشُرِطَ مَعَ مَا مَرَّ) مِنْ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ، وَهَذَا شَرْطٌ خَامِسٌ لِوُجُوبِ زَكَاةٍ فِي (أَثْمَانٍ وَمَاشِيَةٍ وَعُرُوضِ تِجَارَةٍ، لَا لِخَارِجٍ مِنْ أَرْضٍ وَنَحْلٍ مُضِيُّ حَوْلٍ) عَلَى نِصَابٍ تَامٍّ، لِحَدِيثِ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» رِفْقًا بِالْمَالِكِ، وَلِيَتَكَامَلَ النَّمَاءُ فَيُوَاسِيَ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَكَرَّرُ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ، فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ ضَابِطٍ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَعَاقُبِ الْوُجُوبِ فِي الزَّمَنِ الْمُتَقَارِبِ فَيَفْنَى الْمَالُ، أَمَّا الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ وَالْمَعْدِنُ وَنَحْوُهُ، فَهِيَ نَمَاءٌ فِي نَفْسِهَا تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْهَا عِنْدَ وُجُودِهَا، ثُمَّ لَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ ثَانِيَةٌ، لِعَدَمِ إرْصَادِهَا لِلنَّمَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعْدِنُ أَثْمَانًا، وقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} يَنْفِي اعْتِبَارَ الْحَوْلِ فِي الْحُبُوبِ وَنَحْوِهَا، (وَيُعْفَى فِيهِ) أَيْ: الْحَوْلِ (عَنْ نَحْوِ نِصْفِ يَوْمٍ)، صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَكَمَا يُعْفَى فِي أَثْمَانٍ عَنْ حَبَّةٍ وَحَبَّتَيْنِ، (لَكِنْ يَسْتَقْبِلُ)، أَيْ: يَبْتَدِئُ الْحَوْلَ (بِصَدَاقٍ وَأُجْرَةٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ مُعَيَّنَيْنِ، وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِ) هَا (مِنْ عَقْدٍ) لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي عَيْنِ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ، فَيَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفُ مَنْ وَجَبَ لَهُ، وَفِي تَسْمِيَةِ الْخُلْعِ عَقْدًا تَجَوُّزٌ.(وَ) يَسْتَقْبِلُ (بِمُبْهَمٍ مِنْ ذَلِكَ)، أَيْ: الصَّدَاقِ وَعِوَضِ الْخُلْعِ (مِنْ) حِينِ (تَعْيِينٍ) لَا عَقْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفٌ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الضَّمَانِ إلَّا بِهِ، فَلَوْ أَصْدَقَهَا أَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ النِّصَابَيْنِ، أَوْ عَلَى نِصَابٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فِي رَجَبٍ مَثَلًا، وَلَمْ يُعَيِّنْ إلَّا فِي الْمُحَرَّمِ، فَهُوَ ابْتِدَاءُ حَوْلِهِ، وَلَوْ آجَرَ وَنَحْوُهُ بِمَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ وَتَأَخَّرَ قَبْضُهُ فَدَيْنٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقِيَاسُهُ نَحْوُ ثَمَنٍ وَعِوَضِ صُلْحٍ. (وَيَتْبَعُهُ نِتَاجُ)- بِكَسْرِ النُّونِ- (سَائِمَةٍ) الْأَصْلُ فِي حَوْلِهِ إنْ كَانَ نِصَابًا، لِقَوْلِ عُمَرَ: اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ، وَلَا تَأْخُذْهَا مِنْهُمْ رَوَاهُ مَالِكٌ، وَلِقَوْلِ عَلِيٍّ: عُدَّ عَلَيْهِمْ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ. وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ، وَلِأَنَّ السَّائِمَةَ يَخْتَلِفُ وَقْتُ وِلَادَتِهَا فَإِفْرَادُ كُلٍّ بِحَوْلٍ يَشُقُّ فَجُعِلَتْ تَبَعًا لِأُمَّهَاتِهَا كَمَا تَتْبَعُهَا بِالْمِلْكِ.(وَ) يَتْبَعُ (رِبْحُ تِجَارَةٍ) وَهِيَ التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِلرِّبْحِ، وَهُوَ الْفَضْلُ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ (الْأَصْلَ) أَيْ: رَأْسَ الْمَالِ (فِي حَوْلِهِ إنْ كَانَ) الْأَصْلُ (نِصَابًا)؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ، وَمَا عَدَا النِّتَاجَ وَالرِّبْحَ مِنْ الْمُسْتَفَادِ، وَلَوْ مِنْ جِنْسِ مَا يَمْلِكُهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَيُضَمُّ إلَى نِصَابٍ بِيَدِهِ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ الْأَصْلُ نِصَابًا (فَحَوْلُ الْجَمِيعِ)، أَيْ: الْأُمَّهَاتِ وَالنِّتَاجِ، أَوْ رَأْسِ الْمَالِ وَرِبْحِهِ (مِنْ حِينَ كَمُلَ النِّصَابُ)، فَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ بَقَرَةً فَوَلَدَتْ شَيْئًا فَشَيْئًا مُنْذُ بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ، أَوْ مَلَكَ مِائَةً وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا فِضَّةً وَرَبِحَتْ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَنِصَابُهَا مُنْذُ كَمُلَتْ مِائَتِي دِرْهَمٍ، وَلَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً، فَمَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا فَنَتَجَتْ سَخْلَةً، انْقَطَعَ الْحَوْلُ. وَكَذَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَنْفَصِلَ جَنِينُهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَتَجَتْ ثُمَّ مَاتَتْ. (وَحَوْلُ صِغَارٍ) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ (مِنْ حِينِ مِلْكٍ) كَحَوْلِ (كِبَارٍ)، لِعُمُومِ حَدِيثِ: «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ» وَلِأَنَّهَا تُعَدُّ مَعَ غَيْرِهَا، فَتُعَدُّ مُنْفَرِدَةً كَالْأُمَّهَاتِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْإِقْنَاعِ كَالْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ بِمَا إذَا كَانَتْ تَتَغَذَّى بِغَيْرِ اللَّبَنِ، لِاعْتِبَارِ السَّوْمِ، وَلَا يَبْنِي وَارِثٌ عَلَى حَوْلِ مُورِثِهِ. (وَمَتَى نَقَصَ) النِّصَابُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ (أَوْ بِيعَ) النِّصَابُ بَيْعًا صَحِيحًا وَلَوْ بِخِيَارٍ انْقَطَعَ حَوْلُهُ، فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ بِفَسْخٍ أَوْ غَيْرِهِ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ (أَوْ قُرِضَ) النِّصَابُ انْقَطَعَ حَوْلُهُ (أَوْ أُبْدِلَ مَا)، أَيْ: نِصَابٌ (تَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي عَيْنِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ)، كَإِبْدَالِ بَقَرٍ بِغَيْرِهَا، أَوْ إبِلٍ بِغَيْرِهَا، (لَا فِرَارًا مِنْهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (انْقَطَعَ حَوْلُهُ) أَيْ: النِّصَابِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ شَرْطٌ، لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَا كُلُّ مَا خَرَجَ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ مِنْ إقَالَةٍ وَفَسْخٍ لِنَحْوِ عَيْبٍ وَرُجُوعِ وَاهِبٍ فِي هِبَتِهِ، وَوَقْفٍ وَهِبَةٍ وَجَعْلِهِ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا أَوْ صَدَاقًا أَوْ أُجْرَةً وَنَحْوَهُ، (إلَّا فِي ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ، وَعَكْسِهِ) كَفِضَّةٍ بِذَهَبٍ، فَلَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُضَمُّ إلَى الْآخِرِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ وَبِخُرُوجٍ عَنْهُ، فَهُمَا كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ.(وَ) إلَّا فِي (عُرُوضِ تِجَارَةٍ)، فَلَا يَنْقَطِعُ حَوْلُهَا بِبَيْعِهَا أَوْ إبْدَالِهَا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي قِيمَتِهَا لَا فِي عَيْنِهَا، (وَ) إلَّا فِي (أَمْوَالِ صَيَارِفَ)، فَلَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِإِبْدَالِهَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى سُقُوطِ الزَّكَاةِ فِي مَالٍ يَنْمُو، وَوُجُوبِهَا فِي مَالٍ لَا يَنْمُو، وَأُصُولُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي عَكْسَهُ. (وَيُخْرِجُ) مَنْ أَبْدَلَ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ أَوْ عَكْسُهُ (مِمَّا مَعَهُ) عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ الْآخِرِ، وَ(لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ إذَا بِيعَ أَوْ أُبْدِلَ) مَا تَجِبُ فِي عَيْنِهِ (بِجِنْسِهِ)، نُصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ نَوْعُهُ؛ لِأَنَّهُ نِصَابٌ يُضَمُّ إلَيْهِ نَمَاؤُهُ فِي الْحَوْلِ فَبُنِيَ حَوْلُهُ بَدَلَهُ مِنْ جِنْسِهِ عَلَى حَوْلِهِ كَالْعُرُوضِ، (فَلَوْ أَبْدَلَهُ)، أَيْ: النِّصَابَ (بِأَكْثَرَ) مِنْ جِنْسِهِ (زَكَّاهُ)، أَيْ: الْأَكْثَرَ (إذَا تَمَّ حَوْلُ) النِّصَابِ (الْأَوَّلِ) (كَنِتَاجٍ) نَصًّا، (فَبَائِعُ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ بِعِشْرِينَ) مِنْهَا (قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلٍ يُزَكِّي الْعِشْرِينَ)، وَلَوْ بَاعَهَا بِأَرْبَعٍ، انْقَطَعَ الْحَوْلُ. (وَإِنْ فَرَضَهَا)، أَيْ: الزَّكَاةَ (بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِهِ)، أَيْ: الْحَوْلِ، حَرُمَ، وَ(لَمْ تَسْقُطْ) الزَّكَاةُ (بِإِخْرَاجٍ عَنْ مِلْكِهِ) بِبَيْعٍ أَوْ إبْدَالٍ بِأَنْقَصَ مِنْ النِّصَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} الْآيَاتِ، فَعَاقَبَهُمْ- تَعَالَى- بِذَلِكَ لِفِرَارِهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ، وَلِأَنَّهُ قُصِدَ بِهِ إسْقَاطُ حَقِّ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ، كَالْمُطَلِّقِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ. وَقَوْلُهُ: بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِهِ، هُوَ مَا صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْهَا لَا تَسْقُطُ مُطْلَقًا، أَطْلَقَهُ أَحْمَدُ انْتَهَى، وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى. (وَيُزَكِّي) مَنْ نَقَّصَ النِّصَابَ، أَوْ بَاعَهُ، أَوْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فِرَارًا (مِنْ جِنْسِ مَا)، أَيْ: النِّصَابِ الَّذِي (فَرَّ مِنْهُ) بِإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ، لِذَلِكَ الْحَوْلِ الَّذِي فَرَّ فِيهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي انْعَقَدَ فِيهِ الْوُجُوبُ دُونَ مَا بَعْدَهُ. (وَإِنْ ادَّعَى) مَالِكُ نِصَابٍ نَقَّصَ مِنْهُ أَوْ بَاعَ وَنَحْوُهُ (عَدَمَ)، أَيْ: الْفِرَارِ، (وَثَمَّ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (قَرِينَةُ) فِرَارٍ، كَكَوْنِهِ شَحِيحًا، أَوْ تَخَاصَمَ مَعَ السَّاعِي، أَوْ الْفُقَرَاءِ (عُمِلَ بِهَا)، أَيْ: الْقَرِينَةِ، وَرُدَّ قَوْلُهُ، لِدَلَالَتِهَا عَلَى كَذِبِهِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ ثَمَّ قَرِينَةٌ (قُبِلَ قَوْلُهُ) فِي عَدَمِ الْفِرَارِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. (وَيَتَّجِهُ): قَبُولُ قَوْلِ مُدَّعٍ عَدَمَ الْفِرَارِ (بِلَا يَمِينٍ)؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقٌّ لِلَّهِ- تَعَالَى-، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِذَا مَضَى حَوْلٌ) أَوْ بَدَأَ صَلَاحُ حَبٍّ وَثَمَرٍ وَنَحْوِهِ (وَجَبَتْ) الزَّكَاةُ (فِي عَيْنِ الْمَالِ) الَّذِي تُجْزِئُ زَكَاتُهُ مِنْهُ، كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ، وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ إبِلٍ فَأَكْثَرَ سَائِمَةً، وَحُبُوبٍ وَثِمَارٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ»، وَقَوْلُهُ: «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» وَنَظَائِرُهَا، وَ(لَا) يَجِبُ إخْرَاجُهَا (مِنْهُ)، أَيْ: مِنْ عَيْنِ الْمَالِ الْمُزَكَّى، فَيَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَهَا بِالْعَيْنِ، كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا فَدَاهُ سَيِّدُهُ. (وَيَتَّجِهُ): تَعَلُّقُهَا بِعَيْنِ مَالٍ (لَا بِذِمَّتِهِ) مُزَكٍّ؛ لِأَنَّ فِي فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْحَدِيثَيْنِ وَنَظَائِرِهِمَا لِلظَّرْفِيَّةِ أَصَالَةً، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِ الْمَالِ وَصِفَاتِهِ حَتَّى وَجَبَتْ بِالْجَيِّدِ وَالْوَسَطِ وَالرَّدِيءِ بِحَسَبِهِ، فَكَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِعَيْنِهِ لَا بِالذِّمَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَكْسُ ذَلِكَ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَمَعَ كَوْنِهَا تَجِبُ فِي عَيْنِ الْمَالِ (فَيَجُوزُ) أَنْ (تَخْرُجَ مِنْ غَيْرِهِ)، أَيْ: الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَفِي نِصَابٍ) فَقَطْ، كَعِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا، أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةً، أَوْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً، (لَمْ يُزَكَّ) ذَلِكَ النِّصَابُ (حَوْلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ حَوْلَيْنِ، (زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ) لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ مَلَكَ مَالًا كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، لِنَقْصِهِ عَنْ النِّصَابِ بِمَا وَجَبَ فِيهِ مِنْ الزَّكَاةِ (إلَّا مَا زَكَاتُهُ الْغَنَمُ عَنْ إبِلٍ)، كَمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْهَا إذَا مَضَى عَلَيْهِ أَحْوَالٌ وَلَمْ يُزَكِّهِ، (فَعَلَيْهِ لِكُلِّ حَوْلٍ زَكَاةٌ) نَصًّا، لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِذِمَّتِهِ لَا بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُ مِنْهُ، فَلَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهُ بِهِ، (لَكِنْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى خَمْسٍ) مِنْ (إبِلٍ امْتَنَعَتْ زَكَاةُ) حَوْلٍ (ثَانٍ لِكَوْنِهَا دَيْنًا) فَيَنْقُصُ بِهَا النِّصَابُ، فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ. (وَمَا زَادَ عَلَى نِصَابٍ) مِمَّا زَكَاتُهُ فِي عَيْنِهِ (يَنْقُصُ مِنْ زَكَاتِهِ كُلَّ حَوْلٍ) مَضَى (بِقَدْرِ نَقْصِهِ بِهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ، فَيَنْقُصُ بِقَدْرِهَا، فَلَوْ مَلَكَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ غَنَمٍ، ثُمَّ مَضَى حَوْلَانِ فَأَكْثَرَ، فَعَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ شَاتَانِ، وَلِمَا بَعْدَهُ شَاةٌ حَتَّى تَنْقُصَ عَنْ أَرْبَعِينَ. وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْ إبِلٍ، وَمَضَى أَحْوَالٌ، فَعَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ بِنْتُ مَخَاصٍ، وَلِمَا بَعْدَهُ أَرْبَعُ شِيَاهٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَتَعَلُّقُهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (بِالنِّصَابِ) كَتَعَلُّقِ (أَرْشِ جِنَايَةٍ) بِرَقَبَةِ جَانٍ، (لَا) كَتَعَلُّقِ (دَيْنٍ بِرَهْنٍ، أَوْ) تَعَلُّقِ دَيْنٍ (بِمَالٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ، وَلَا) (كَتَعَلُّقِ شَرِكَةٍ) بِمَالٍ مُشْتَرَكٍ، (فَلَهُ)، أَيْ: الْمَالِكِ (إخْرَاجُهَا)، أَيْ: الزَّكَاةَ (مِنْ غَيْرِهِ)، أَيْ: النِّصَابِ، كَمَا لِسَيِّدِ الْجَانِي فِدَاؤُهُ بِغَيْرِ ثَمَنِهِ (وَالنَّمَاءُ بَعْدَ وُجُوبِهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (لَهُ)، أَيْ: الْمَالِكِ كَوَلَدِ الْجَانِيَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ، فَكَذَا إنْمَاءُ النِّصَابِ وَنِتَاجُهُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ، فَلَا تَكُونُ الْفُقَرَاءُ شُرَكَاءَ فِيهِ. (وَإِنْ أَتْلَفَهُ)، أَيْ: النِّصَابَ مَالِكٌ، (لَزِمَ) هـ (مَا وَجَبَ فِيهِ) مِنْ الزَّكَاةِ (لَا قِيمَتُهُ)، أَيْ: النِّصَابِ، كَمَا لَوْ قَتَلَ الْجَانِي مَالِكَهُ، وَكَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ دُونَ قِيمَتِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَى مَا وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ، بِخِلَافِ الرَّاهِنِ إذَا أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ مَكَانَهُ، (وَلَهُ)، أَيْ: الْمَالِكِ (التَّصَرُّفُ) فِيمَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ (بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ) كَهِبَةٍ وَإِصْدَاقٍ، كَمَا أَنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي الْجَانِي، بِخِلَافِ رَاهِنٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ وَشَرِيكٍ (وَلَا يَرْجِعُ بَائِعٌ بَعْدَ لُزُومِ بَيْعٍ فِي قَدْرِهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ حَيْثُ قَدَرَ عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْ غَيْرِهِ. وَيُخْرِجُهَا الْبَائِعُ، كَمَا لَوْ بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْجَانِيَ لَزِمَ فِدَاؤُهُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ، (إلَّا إنْ تَعَذَّرَ غَيْرُهُ) فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَى الْبَائِعِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ الْمَبِيعِ فُسِخَ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ لِسَبْقِ وُجُوبِهَا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ صَدَّقَهُ مُشْتَرٍ عَلَى وُجُوبِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ، وَعَجْزُهُ عَنْ إخْرَاجِهَا مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْبَائِعِ عَلَيْهِ. (وَلِمُشْتَرٍ الْخِيَارُ) إذَا رَجَعَ الْبَائِعُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ لِتَعَذُّرِ غَيْرِهِ، لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ. وَمِثْلُهُ مُشْتَرٍ جَانٍ. وَلِبَائِعٍ إخْرَاجُ زَكَاةِ مَبِيعٍ فِيهِ خِيَارٌ مِنْهُ، فَيَبْطُلُ فِي قَدْرِهِ. (وَلَا يُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (إمْكَانُ أَدَائِهَا) مِنْ الْمَالِ، فَتَجِبُ فِي الدَّيْنِ وَالْغَائِبِ وَالضَّالِّ وَالْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ لِلْعُمُومَاتِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَ لَمْ يَنْعَقِدْ الْحَوْلُ الثَّانِي حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَنْعَقِدُ عَقِبَ الْأَوَّلِ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، فَلَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا إمْكَانُ الْأَدَاءِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، فَإِنَّ الصَّوْمَ يَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْحَائِضِ وَالْعَاجِزِ عَنْ أَدَائِهِ. (وَلَا) يُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا أَيْضًا (بَقَاءُ مَالٍ) وَجَبَتْ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ): مَحِلُّ وُجُوبِهَا فِيهِ إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهُوَ (بِيَدِهِ) فَتَلِفَ، أَوْ أُتْلِفَ، فَلَا تَسْقُطُ زَكَاتُهُ فَرَّطَ أَوْ لَا، تَمَكَّنَ مِنْ إخْرَاجِهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهَا حَقُّ آدَمِيٍّ أَوْ مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَتْ دَيْنَ الْآدَمِيِّ، وَلِأَنَّ عَلَيْهِ مُؤْنَةَ تَسْلِيمِهَا إلَى مُسْتَحَقِّهَا فَضَمِنَهَا بِتَلَفِهَا بِيَدِهِ، كَعَارِيَّةٍ وَغَصْبٍ، وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْجَانِي وَ(لَا) يَلْزَمُ إخْرَاجُ زَكَاةِ (نَحْوِ) مَالٍ (غَائِبٍ) عَنْ مُزْكٍ، كَمَغْصُوبٍ وَمُودَعٍ وَمُسَافَرٍ بِهِ لِتِجَارَةٍ حَتَّى يَصِلَ إلَى يَدِهِ فَيُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (إلَّا إذَا تَلِفَ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرٌ بِجَائِحَةٍ قَبْلَ وَضْعِ بَيْدَرٍ وَمِسْطَاحٍ، وَلَوْ بَعْدَ حَصَادٍ وَجِذَاذٍ)، فَتَسْقُطُ زَكَاتُهُ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا، كَمَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ إذَا تَلِفَتْ الثَّمَرَةُ بِجَائِحَةٍ وَأَوْلَى. هَذَا الْمَذْهَبُ (خِلَافًا لَهُمَا)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى (هُنَا) حَيْثُ قَالَا: قَبْلَ حَصَادٍ وَجِذَاذٍ، لَكِنَّ صَاحِبَ الْإِقْنَاعِ أَحَالَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي زَكَاةِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، ثُمَّ صَرَّحَ هُوَ وَصَاحِبُ الْمُنْتَهَى هُنَاكَ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ إلَّا بِجَعْلِهَا فِي جَرِينٍ وَبَيْدَرٍ وَمِسْطَاحٍ، فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ، خُرِصَتْ الثَّمَرَةُ أَوْ لَمْ تُخْرَصْ (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ زَكَاةٌ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ) نَصًّا، وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهَا كَالْعَشْرِ، وَلِحَدِيثِ: «فَدِينُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ»، وَلِأَنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ أَشْبَهَ دَيْنَ الْآدَمِيِّ. (وَيَتَّجِهُ: وَمَعَ جَهْلِ) وَرَثَةٍ (بِإِخْرَاجِ) مُوَرِّثٍ (فَاسِقٍ) الزَّكَاةَ فِي حَيَاتِهِ (فَالْأَصْلُ عَدَمُ)، أَيْ: الْإِخْرَاجِ، فَيُخْرِجُهَا وَارِثٌ مِنْ تَرِكَتِهِ. (وَفِي) جَهْلِ وَرَثَتِهِ بِإِخْرَاجِ مُوَرِّثٍ (عَدْلٍ يُحْتَمَلُ) الْإِخْرَاجُ وَعَدَمُهُ، وَحَيْثُ احْتَمَلَ فَالِاحْتِيَاطُ الْإِخْرَاجُ تَبْرِئَةً لِذِمَّةِ الْمَيِّتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) زَكَاةٌ (مَعَ دَيْنٍ بِلَا رَهْنٍ وَضِيقِ مَالٍ) تَرِكَةِ مَيِّتٍ عَنْ زَكَاةٍ وَدَيْنٍ (يَتَحَاصَّانِ)، أَيْ: الزَّكَاةُ وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ نَصًّا لِلتَّزَاحُمِ، (كَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ) وَحَجٍّ ضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْ الْجَمِيعِ، تُقْسَمُ التَّرِكَةُ بِالْحِصَصِ لِعُمُومِ حَدِيثِ: «دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى».(وَ) دَيْنٌ (بِهِ)، أَيْ: الرَّهْنِ (يُقَدَّمُ) فَيُوَفَّى مُرْتَهِنٌ دَيْنَهُ مِنْ الرَّهْنِ، فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَهُ شَيْءٌ صُرِفَ فِي الزَّكَاةِ. وَكَذَا جَانٍ (بَعْدَ نَذْرٍ) بِصَدَقَةٍ (بِمُعَيَّنٍ) وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِيَتَحَاصَّانِ، فَإِنْ كَانَ نَذَرَ بِمُعَيَّنٍ قُدِّمَ لِوُجُوبِ عَيْنِهِ. (ثُمَّ) بَعْدَ (أُضْحِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ) فَتُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ وَفَاءٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ ذَبْحُهَا، فَلَمْ تُبَعْ فِي دَيْنِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا، وَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي ذَبْحِهَا وَتَفْرِقَتِهَا. (وَيَتَّجِهُ: هَذَا)، أَيْ: مَحَلُّ وُجُوبِ تَقَدُّمِ النَّذْرِ بِمُعَيَّنٍ، وَالْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَةِ عَلَى الدَّيْنِ بِالرَّهْنِ (إذَا لَزِمَا ذِمَّتَهُ)، أَيْ: ذِمَّةَ الْمَيِّتِ (بِإِتْلَافِهِ لَهُمَا) فِي حَيَاتِهِ، فَيُؤْخَذُ بَدَلُهُمَا مِنْ تَرِكَتِهِ (وَإِلَّا) بِتَلَفِهِمَا، فَإِنْ كَانَا بَاقِيَيْنِ أُخْرِجَا قَبْلَ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَا تَالِفَيْنِ، وَالْمُتْلِفُ لَهُمَا غَيْرُ الْمَيِّتِ، (فَلَا يُتَصَوَّرُ) أَخْذُ بَدَلِهِمَا مِنْ تَرِكَتِهِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بَدَلُهُمَا مِمَّنْ أَتْلَفَهُمَا، وَإِنْ كَانَا تَلِفَا بِفِعْلِ اللَّهِ- تَعَالَى- مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطِ أَحَدٍ، فَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا بَدَلُهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا لَوْ أَفْلَسَ حَيٌّ) وَلَهُ أُضْحِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ أَوْ نَذْرٌ مُعَيَّنٌ، فَيَخْرُجُ ثَمَّ دَيْنٌ بِرَهْنٍ، ثُمَّ يُتَحَاصُّ بَقِيَّةُ دُيُونِهِ مِنْ زَكَاةٍ وَغَيْرِهَا..(بَابُ زَكَاةِ السَّائِمَةِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ): سُمِّيَتْ بَهِيمَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ، وَبَدَأَ بِهَا اقْتِدَاءً بِالصِّدِّيقِ فِي كِتَابِهِ لِأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِطُولِهِ، وَيَأْتِي بَعْضُهُ مُفَرَّقًا. وَخَرَجَ بِالسَّائِمَةِ الْمَعْلُوفَةُ، فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، لِمَفْهُومِ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «فِي كُلِّ إبِلٍ سَائِمَةٍ، فِي كُلٍّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَحَدِيثِ الصِّدِّيقِ مَرْفُوعًا: «وَفِي الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ» الْحَدِيثَ. وَفِي آخِرِهِ أَيْضًا «إذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً وَاحِدَةً، فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا» فَقَيَّدَ بِالسَّوْمِ، وَأَبْدَلَ الْبَعْضَ مِنْ الْكُلِّ، وَأَعَادَ الْمُعْتَدَّ مَرَّةً أُخْرَى، وَذَلِكَ دَلِيلُ اشْتِرَاطِهِ خُصُوصًا مَعَ اشْتِمَالِهِ عَلَى مُنَاسَبَةٍ. (وَلَا تَجِبُ) الزَّكَاةُ (إلَّا فِيمَا)، أَيْ: سَائِمَةٍ (لِدَرٍّ، وَنَسْلٍ وَتَسْمِينٍ)، فَ (لَا) تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي سَائِمَةٍ (لِعَمَلٍ كَإِبِلٍ) تُؤَجَّرُ وَيُنْتَفَعُ بِظَهْرِهَا، وَبَقَرِ حَرْثٍ وَنَحْوِهِ أَكْثَرَ الْحَوْلِ، (وَالسَّوْمُ) الْمُشْتَقُّ مِنْهُ السَّائِمَةُ: (أَنْ تَرْعَى)، فَالسَّائِمَةُ الرَّاعِيَةُ يُقَالُ: سَامَتْ تَسُومُ سَوْمًا، وَأَسَمْتُهَا: إذَا رَعَيْتُهَا، وَمِنْهُ {فِيهِ تُسِيمُونَ}، (الْمُبَاحَ) غَيْرَ الْمَمْلُوكِ (أَكْثَرَ الْحَوْلِ) نَصًّا؛ لِأَنَّ عَلَفَ السَّوَائِمِ يَقَعُ عَادَةً فِي السَّنَةِ كَثِيرًا، وَيَنْدُرُ وُقُوعُهُ فِي جَمِيعِهَا لِعُرُوضِ مَوَانِعِهِ مِنْ نَحْوِ مَطَرٍ وَثَلْجٍ، فَاعْتِبَارُهُ فِي كُلِّ الْعَامِ إجْحَافٌ بِالْفُقَرَاءِ، وَالِاكْتِفَاءُ بِهِ فِي بَعْضِهِ إجْحَافٌ بِالْمُلَّاكِ، وَاعْتِبَارُ الْأَكْثَرِ تَعْدِيلٌ بَيْنَهُمَا، وَدَفْعٌ لِأَعْلَى الضَّرَرَيْنِ بِأَدْنَاهُمَا، وَالْأَكْثَرُ أُلْحِقَ بِالْكُلِّ فِي أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ. (وَلَوْ) كَانَ الْأَكْثَرُ (أَثْنَاءَ) الْحَوْلِ طَرَفًا أَوْ وَسَطًا، (وَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّتُهُ)، أَيْ: السَّوْمِ، (فَتَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي سَائِمَةٍ بِنَفْسِهَا) كَمَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي زَرْعٍ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرَهُ إلَى أَرْضٍ فَنَبِتْ فِيهَا، (أَوْ) سَائِمَةٍ (بِفِعْلِ غَاصِبِهَا) بِأَنْ أَسَامَهَا الْغَاصِبُ، فَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، كَزَرْعٍ غُصِبَ حَبُّهُ فَنَبَتَ، فَفِيهِ الْعُشْرُ عَلَى مَالِكِهِ.وَ(لَا) تَجِبُ (فِي مُعْتَلِفَةٍ بِنَفْسِهَا أَوْ بِفِعْلِ غَاصِبٍ لَهَا)، أَيْ: الْبَهَائِمِ (أَوْ) بِفِعْلِ غَاصِبٍ (لِعَلَفِهَا) مَالِكًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى لَهَا، أَوْ زَرَعَ مَا تَأْكُلُهُ، أَوْ جَمَعَهُ مِنْ مُبَاحٍ، فَلَا زَكَاةَ، لِعَدَمِ السَّوْمِ، (وَعَدَمُهُ)، أَيْ: السَّوْمِ (مَانِعٌ) مِنْ مُبَاحٍ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، لَا أَنَّ وُجُودَهُ شَرْطٌ لِوُجُوبِهَا، كَمَا أَنَّ السَّقْيَ بِكُلْفَةٍ أَكْثَرَ الْحَوْلِ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الْعُشْرِ كُلِّهِ (فَيَصِحُّ أَنْ تُعَجَّلَ) الزَّكَاةُ (قَبْلَ شُرُوعِهِ فِيهِ)، أَيْ: السَّوْمِ، لِعَدَمِ الْمَانِعِ إذَنْ، وَهُوَ الْعَلَفُ فِي نِصْفِ الْحَوْلِ فَأَكْثَرَ، (خِلَافًا لَهُ)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فِي بَابِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى السَّوْمِ، هَلْ هُوَ شَرْطٌ؟ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ، فَلَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ. أَوْ عَدَمُ السَّوْمِ مَانِعٌ، كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى وَغَيْرُهُ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، فَيَصِحُّ التَّعْجِيلُ (وَيَنْقَطِعُ السَّوْمُ شَرْعًا)، أَيْ: فِي حُكْمِ الشَّرْعِ (بِقَطْعِهَا)، أَيْ: الْمَاشِيَةِ (عَنْهُ)، أَيْ: السَّوْمِ (عُرْفًا)؛ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهُ (بِقَصْدِ قَطْعِ طَرِيقٍ بِهَا)، أَيْ: الْمَاشِيَةِ. (وَنَحْوِهِ) كَقَصْدِ جَلْبِ خَمْرٍ أَوْ امْرَأَةٍ يَزْنِي بِهَا عَلَيْهَا كَانْقِطَاعِ (حَوْلِ تِجَارَةٍ بِنِيَّةِ قِنْيَةِ عَبِيدِهَا)، أَيْ: التِّجَارَةِ (لِذَلِكَ)، أَيْ: قَطْعِ الطُّرُقِ وَنَحْوِهِ (أَوْ) نِيَّةِ، قِنْيَةِ (ثِيَابِهَا)، أَيْ: التِّجَارَةِ (الْحَرِيرِ لِلُبْسٍ مُحَرَّمٍ) كَمَا يَنْقَطِعُ إذَا قَطَعَهَا لِأَجْلِ مُبَاحٍ. (وَيَتَّجِهُ) إنَّمَا يَنْقَطِعُ السَّوْمُ إذَا كَانَ فَاعِلُ مَا ذُكِرَ (غَيْرُ فَارٍّ فِي الْكُلِّ)، أَيْ: كُلَّ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَلَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِرَارًا لَبَقِيَ السَّوْمُ مُعَامَلَةً لَهُ بِضِدِّ قَصْدِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَلَا يَنْقَطِعُ حَوْلُ السَّوْمِ (بِنِيَّتِهَا)، أَيْ: السَّائِمَةِ لِعَمَلٍ مِنْ حَمْلٍ أَوْ كِرَاء وَنَحْوِهِ (قَبْلَهُ)، أَيْ: الْعَمَلِ الَّذِي نَوَيْتَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ خِلَافُهُ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَلَا شَيْءَ فِي إبِلٍ) سَائِمَةٍ (حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا) لِحَدِيثِ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ» وَبَدَأَ بِالْإِبِلِ تَأْسِيسًا بِكِتَابِ الشَّارِعِ حِينَ فَرَضَ زَكَاةَ الْأَنْعَامِ؛ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ النَّعَمِ قِيمَةً وَإِحْسَانًا، وَأَكْثَرُ أَمْوَالِ الْعَرَبِ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا (فَفِيهَا شَاةٌ) إجْمَاعًا (أَصَالَةً)، فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ دَرَاهِمَ بَدَلًا عَنْهَا، سَوَاءٌ وُجِدَتْ أَوْ لَمْ تُوجَدْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. (مِنْ ضَأْنٍ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَمِنْ مَعْزِلِهَا سَنَةٌ)، لِحَدِيثِ: «إذَا بَلَغَتْ خَمْسًا فَفِيهَا شَاةٌ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. وَتَكُونُ الشَّاةُ (بِصِفَةِ) إبِلٍ جَوْدَةً وَرَدَاءَةً (غَيْرَ مَعِيبَةٍ)، فَفِي إبِلٍ كِرَامٍ سِمَانٍ شَاةٌ كَرِيمَةٌ سَمِينَةٌ، (وَفِي) الْإِبِلِ (الْمَعِيبَةِ) شَاةٌ (صَحِيحَةٌ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا بِقَدْرِ نَقْصِ إبِلٍ) كَشَاةِ الْغَنَمِ، فَمَثَلًا لَوْ كَانَتْ الْإِبِلُ مِرَاضًا، وَقُوِّمَتْ لَوْ كَانَتْ صِحَاحًا بِمِائَةٍ، وَكَانَتْ الشَّاةُ فِيهَا قِيمَتُهَا خَمْسَةٌ، ثُمَّ قُوِّمَتْ مِرَاضًا بِثَمَانِينَ، كَانَ نَقْصُهَا بِسَبَبِ الْمَرَضِ عِشْرِينَ، وَذَلِكَ خُمْسُ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ صِحَاحًا، فَتَجِبُ فِيهَا شَاةٌ قِيمَتُهَا أَرْبَعَةٌ، بِقَدْرِ نَقْصِ الْإِبِلِ، وَهُوَ الْخُمُسُ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ (وَلَا يُجْزِئُ) عَنْ خَمْسٍ مِنْ إبِلٍ (بَعِيرٌ) نَصًّا، ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، (وَلَا بَقَرَةٌ) وَلَوْ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَ بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً. (وَلَا) يُجْزِئُ (نِصْفَا شَاتَيْنِ)؛ لِأَنَّهُ تَشْقِيصٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ يَلْزَمُ مِنْهُ سُوءُ الشَّرِكَةِ، (أَوْ)، أَيْ: وَلَا يُجْزِئُ (مَعِيبَةٌ) لَا يُضَحَّى بِهَا، كَمَا لَوْ أُخْرِجَتْ عَنْ شِيَاهٍ (ثُمَّ) إنْ زَادَتْ إبِلٌ عَلَى خَمْسٍ، فَ (فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، فَتَجِبُ) فِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَجَبَتْ (بِنْتُ مَخَاضٍ) إجْمَاعًا، لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ: «فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ» (وَهِيَ: مَا تَمَّ لَهَا سَنَةٌ) وَدَخَلَتْ فِي الثَّانِيَةِ، (سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا قَدْ حَمَلَتْ غَالِبًا، وَلَيْسَ) حَمْلُ أُمِّهَا (بِشَرْطٍ) فِي إجْزَائِهَا وَلَا تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ تَعْرِيفًا بِغَالِبِ حَالِهَا (وَالْمَاخِضُ الْحَامِلُ، فَإِنْ كَانَتْ) بِنْتُ الْمَخَاضِ (عِنْدَهُ وَهِيَ أَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ) عَلَيْهِ فِيمَا بِيَدِهِ، (خُيِّرَ بَيْنَ إخْرَاجِهَا وَ) بَيْنَ (شِرَاءِ مَا)، أَيْ: بِنْتِ مَخَاضٍ (بِصِفَتِهِ)، أَيْ: الْوَاجِبِ، وَيُخْرِجُهَا وَلَا يُجْزِيهِ ابْنُ لَبُونٍ إذَنْ، لِوُجُودِ بِنْتِ مَخَاضٍ صَحِيحَةٍ فِي مَالِهِ. (وَإِنْ كَانَتْ) بِنْتُ الْمَخَاضِ (مَعِيبَةً، أَوْ لَيْسَتْ فِي مَالِهِ، فَذَكَرٌ) ابْنُ لَبُونٍ (أَوْ خُنْثَى وَلَدُ لَبُونٍ، وَهُوَ: مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ)، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ قَدْ وَضَعَتْ غَالِبًا، فَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ،. (وَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ)، أَيْ: وَلَدَ اللَّبُونِ (عَنْهَا)، أَيْ: عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ، فَفِيهَا ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. (أَوْ حِقٌّ: مَا تَمَّ لَهُ ثَلَاثُ سِنِينَ)، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَيُرْكَبَ، وَيُقَالُ لِلْأُنْثَى: حِقَّةٌ لِذَلِكَ، وَلِاسْتِحْقَاقِهَا طَرْقَ الْفَحْلِ لَهَا، (أَوْ جَذَعٌ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: (مَا تَمَّ لَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ)، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُجْذَعُ إذَا سَقَطَتْ سِنُّهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ اسْمٌ لَهُ فِي زَمَنٍ لَيْسَ بِسِنٍّ تَنْبُتُ وَلَا تَسْقُطُ. (أَوْ ثَنِيٍّ: مَا تَمَّ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ)، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَلْقَى ثَنِيَّتَهُ.(وَ) الْحِقُّ وَالْجَذَعُ وَالثَّنِيِّ (أَوْلَى) بِالْإِجْزَاءِ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ مِنْ ابْنِ اللَّبُونِ لِزِيَادَةِ سِنِّهِ (بِلَا جُبْرَانٍ) إذَا أَخْرَجَ ابْنَ اللَّبُونِ فَمَا فَوْقَهُ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ فِي ذَلِكَ. وَيُجْزِئُ الْحِقُّ أَوْ الْجَذَعُ أَوْ الثَّنِيُّ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ، وَلَوْ وُجِدَ ابْن لَبُونٍ لِزِيَادَةِ سِنِّهِ، فَإِنْ عُدِمَ ابْنُ اللَّبُونِ، لَزِمَ شِرَاءُ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ ابْنُ لَبُونٍ يَشْتَرِيهِ إذَنْ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْعَدَمِ، فَلَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ لِتَرَجُّحِهَا بِالْأَصَالَةِ. (وَلَا يُجْبَرُ فَقْدُ أُنُوثَةٍ بِزِيَادَةِ سِنٍّ ذَكَرٍ غَيْرَ هُنَا)، أَيْ: فِي غَيْرِ بِنْتِ الْمَخَاضِ، (فَلَا يُخْرِجُ عَنْ بِنْتِ لَبُونٍ حِقًّا) إذَا لَمْ تَكُنْ فِي مَالِهِ (أَوْ)، أَيْ: وَلَا تُجْزِئُ (عَنْ حِقَّةٍ جِذَعًا)، وَلَا عَنْ الْجَذَعَةِ ثَنِيًّا مَعَ وُجُودِهِمَا أَوْ عَدَمِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى ابْنِ اللَّبُونِ مَكَانَ بِنْتِ الْمَخَاضِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ سِنِّهِ عَلَيْهَا يَمْتَنِعُ بِهَا مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، وَيَرْعَى الشَّجَرَ بِنَفْسِهِ، وَيَرِدُ الْمَاءَ، وَلَا يُوجَدُ هَذَا فِي الْحِقِّ مَعَ بِنْتِ اللَّبُونِ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي هَذَا، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ زِيَادَةِ السِّنِّ، فَلَمْ يُقَابِلْ الْأُنُوثِيَّةَ، وَلِأَنَّ تَخْصِيصَهُ فِي الْحَدِيثِ بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْحُكْمِ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ (أَوْ يُخْرِجُ) مَنْ عَدِمَ بِنْتَ مَخَاضٍ صَحِيحَةٍ (بِنْتَ لَبُونٍ) عَنْهَا، (وَيَأْخُذُ الْجُبْرَانَ، وَلَوْ وَجَدَ ابْنَ لَبُونٍ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ. (وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ) بَعِيرًا (بِنْتُ لَبُونٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا وَضَعَتْ) غَالِبًا (فَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ)، وَلَيْسَ شَرْطًا بَلْ تَعْرِيفًا لَهَا بِغَالِبِ أَحْوَالِهَا (وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ، وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ) وَهِيَ أَعْلَى سِنٍّ يَجِبُ فِي الزَّكَاةِ. (وَتُجْزِئُ ثَنِيَّةٌ)، وَهِيَ: مَا دَخَلَتْ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ (وَ) مَا (فَوْقَهَا) عَنْ بِنْتِ لَبُونٍ أَوْ حِقَّةٍ أَوْ جَذَعَةٍ (بِلَا جُبْرَانٍ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الثَّنِيَّةِ (وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ)، إجْمَاعًا، (وَفِي إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ)، لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ فِيمَا كَتَبَ لَهُ الصِّدِّيقُ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ، (ثُمَّ تَسْتَقِرُّ) الْفَرِيضَةُ (فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ) لِخَبَرِ الصِّدِّيقِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (فَفِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ، وَفِي مِائَةٍ وَسَبْعِينَ حِقَّةٌ وَثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَثَمَانِينَ حِقَّتَانِ وَابْنَتَا لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَتِسْعِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ)، لِوُرُودِ الْأَخْبَارِ بِذَلِكَ، وَلَا أَثَرَ بِزِيَادَةِ بَعْضِ بَعِيرٍ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، أَوْ زِيَادَةِ بَعْضِ بَقَرَةٍ أَوْ بَعْضِ شَاةٍ، (فَإِذَا بَلَغَتْ) الْإِبِلُ (مَا يَتَّفِقُ فِيهِ الْفَرْضَانِ كَمِئَتَيْنِ) فِيهَا أَرْبَعُ خَمْسِينِيَّاتٍ وَخَمْسُ أَرْبَعِينِيَّاتٍ (أَوْ أَرْبَعُمِائَةٍ) فِيهَا ثَمَانُ خَمْسِينِيَّاتٍ وَعَشْرُ أَرْبَعِينِيَّاتٍ، (خُيِّرَ) مُخْرِجٌ (بَيْنَ حِقَاقٍ وَ) بَيْنَ (بَنَاتِ لَبُونٍ) لِوُجُودِ مُقْتَضَى كُلٍّ مِنْ الْفَرْضَيْنِ، إلَّا وَلِيَّ يَتِيمٍ وَيَأْتِي، (وَيَصِحُّ) فِي إخْرَاجٍ عَنْ نَحْوِ أَرْبَعِمِائَةٍ (كَوْنُ الشَّطْرِ)، أَيْ: النِّصْفَ (مِنْ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ، وَالشَّطْرِ مِنْ) النَّوْعِ (الْآخَرِ، فَيُخْرِجُ) عَنْهَا (أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَخَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ) وَلَا يُجْزِئُ عَنْ مِئَتَيْنِ حِقَّتَانِ وَبِنْتَا لَبُونٍ وَنِصْفُ التَّشْقِيصِ. (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا)، أَيْ: النَّوْعَيْنِ (نَاقِصًا يَحْتَاجُ لِجُبْرَانٍ كَمِئَتَيْنِ بِهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَأَرْبَعُ حِقَاقٍ)، وَالْآخَرُ كَامِلًا، (تَعَيَّنَ الْكَامِلُ) وَهُوَ الْحِقَاقُ؛ لِأَنَّ الْجُبْرَانَ بَدَلٌ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ الْأَصْلِ، كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ، (وَمَعَ عَدَمِ النَّوْعَيْنِ أَوْ عَيْبِهِمَا أَوْ عَدَمِ) كُلِّ سِنٍّ وَجَبَ، (أَوْ عَيْبِ كُلِّ سِنٍّ)،- أَيْ: ذَاتِ سِنٍّ- وَجَبَ فِي إبِلٍ وَلَهُ أَسْفَلُ كَبِنْتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٍ وَجَذَعَةٍ، (فَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ إلَى مَا)، أَيْ: سِنٍّ (يَلِيهِ مِنْ أَسْفَلَ وَيُخْرِجُ مَعَهُ جُبْرَانًا أَوْ) كَانَ لَهُ أَعْلَى كَبِنْتِ مَخَاضٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٍ، فَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ (إلَى مَا يَلِيهِ مِنْ فَوْقٍ وَيَأْخُذَ جُبْرَانًا)، لِحَدِيثِ الصِّدِّيقِ فِي الصَّدَقَاتِ قَالَ: «وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إنْ اسْتَيْسَرَتَا، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ». إلَى آخِرِهِ. (فَإِنْ عَدِمَ مَا)، أَيْ: سِنًّا (يَلِيهِ)، أَيْ: الْوَاجِبُ مِنْ مَالِ مُزَكٍّ، بِأَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ، فَعَدِمَهَا وَالْحِقَّةَ، (انْتَقِلْ لِمَا بَعْدَهُ) وَهُوَ بِنْتُ اللَّبُونِ فِي الْمِثَالِ، (فَإِنْ عَدِمَ)، أَيْ: مَا يَلِيهِ، وَهُوَ بِنْتُ اللَّبُونِ فِيهِ (أَيْضًا، انْتَقَلَ لِثَالِثٍ) وَهُوَ بِنْتُ الْمَخَاضِ، (فَيُخْرِجُ مَنْ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ بِنْتَ مَخَاضٍ مَعَ ثَلَاثِ جُبْرَانَاتٍ بِشَرْطِ كَوْنِ ذَلِكَ) الْمُخْرِجِ مَعَ جُبْرَانٍ فَأَكْثَرَ (فِي مِلْكِهِ) لِلْخَبَرِ، وَ(إلَّا) يَكُنْ فِي مِلْكِهِ (تَعَيَّنَ الْأَصْلُ) الْوَاجِبُ، فَيُحَصِّلُهُ وَيُخْرِجُهُ، (وَالْجُبْرَانُ: شَاتَانِ، أَوْ: عِشْرُونَ دِرْهَمًا) لِلْخَبَرِ، (وَيُجْزِئُ فِي جُبْرَانٍ) وَاحِدٍ (وَ) فِي (ثَانٍ وَثَالِثٍ، النِّصْفُ دَرَاهِمَ وَالنِّصْفُ شِيَاهًا)، لِقِيَامِ الشَّاةِ مَقَامَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ. فَإِذَا اخْتَارَ إخْرَاجَهَا وَعَشَرَةً جَازَ، وَكَإِخْرَاجِ كَفَّارَةٍ مِنْ جِنْسَيْنِ (وَيَتَعَيَّنُ عَلَى وَلِيِّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ) جُنُونًا مُطْبِقًا. (وَيَتَّجِهُ: وَ) وَلِيُّ (سَفِيهٍ) كَذَلِكَ.- وَهُوَ مُتَّجِهٌ-، (إخْرَاجُ أَدْوَنَ مُجْزِئٍ) مُرَاعَاةً لَحَظِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (وَلِغَيْرِهِ)، أَيْ: غَيْرِ وَلِيِّ مَنْ ذُكِرَ (دَفْعُ سِنٍّ أَعْلَى إنْ كَانَ النِّصَابُ مَعِيبًا) بِلَا أَخْذِ جُبْرَانٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ وَفْقَ مَا بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَمَا بَيْنَ الْمَعِيبِينَ أَقَلُّ مِنْهُ، فَإِذَا دَفَعَ السَّاعِي فِي مُقَابَلَتِهِ جُبْرَانًا كَانَ حَيْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَلِمَالِكٍ دَفْعُ سِنٍّ أَسْفَلَ مَعَ الْجُبْرَانِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْحَيْفِ عَلَيْهِ كَإِخْرَاجِ أَجْوَدَ، بِخِلَافِ وَلِيِّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ. (وَلَا مَدْخَلَ لِجُبْرَانٍ فِي غَيْرِ إبِلٍ)؛ لِأَنَّ النَّصَّ، إنَّمَا وَرَدَ فِيهَا، وَغَيْرُهَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا، فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ، فَلَوْ جَبَرَ الْوَاجِبَ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَتِهِ، فَأَخْرَجَ الرَّدِيءَ عَنْ الْجَيِّدِ، وَزَادَ قَدْرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَضْلِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ النَّفْعُ بِعَيْنِهَا، فَيَفُوتُ بَعْضُ الْمَقْصُودِ. وَمِنْ الْأَثْمَانِ الْقِيمَةُ، (فَعَادِمُ فَرِيضَةِ بَقَرٍ، أَوْ) فَرِيضَةِ (غَنَمٍ) يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُ الْفَرِيضَةِ وَإِخْرَاجُهَا، وَ(لَا يُخْرِجُ أَدُونَ) مِنْهَا، (بَلْ) يُخْرِجُ (أَعْلَى) مِنْهَا (إنْ شَاءَ مُتَطَوِّعًا) بِغَيْرِ جُبْرَانٍ كَمُسِنَّةٍ عَنْ تَبِيعٍ وَلَوْ مَعَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْوَاجِبَ وَزِيَادَةً تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، (وَإِلَّا) يُخْرِجْ الْأَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ (كُلِّفَ شِرَاءَهَا)، أَيْ: الْفَرِيضَةَ مِنْ غَيْرِ مَالِهِ، لِكَوْنِهِ طَرِيقًا إلَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ..(فَرْعٌ): [حدُّ النِّصَابِ]: (يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِجَمِيعِ النِّصَابِ حَتَّى بِالْوَاحِدَةِ الَّتِي يَتَغَيَّرُ بِهَا الْفَرْضُ)؛ لِأَنَّهَا مِنْ النِّصَابِ، (وَلَا شَيْءَ فِيمَا بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ، وَيُسَمَّى) مَا بَيْنَهُمَا (الْوَقَصُ) بِفَتْحَتَيْنِ، وَقَدْ يُسَكَّنُ. (وَالْعَفْوُ) وَالشَّنَقُ، بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ النُّونِ. (وَأَكْثَرُ وَقَصِ إبِلٍ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ)، وَأَكْثَرُ وَقَصِ (بَقَرٍ تِسْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ، وَ) أَكْثَرُ وَقَصِ (غَنَمٍ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ مِنْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ إلَى أَرْبَعمِائَةٍ)، فَهَذِهِ الْأَوْقَاصُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الزَّكَاةُ بَلْ بِالنِّصَابِ فَقَطْ، فَلَوْ كَانَ لَهُ تِسْعُ إبِلٍ مَغْصُوبَةٍ حَوْلًا، فَخَلَّصَ مِنْهَا بَعِيرًا، لَزِمَهُ خَمْسُ شِيَاهٍ، لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَكِيمِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّ الْأَوْقَاصَ لَا صَدَقَةَ فِيهَا» وَلِأَنَّ الْعَفْوَ مَالٌ نَاقِصٌ عَنْ نِصَابٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَرْضٌ مُبْتَدَأٌ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الْوُجُوبُ قَبْلَهُ، كَمَا لَوْ نَقَصَ النِّصَابُ الْأَوَّلُ، وَعَكْسُهُ زِيَادَةُ نِصَابِ السَّرِقَةِ، فَإِنَّهَا وَإِنَّ كَثُرَتْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا النِّصَابُ مُبْتَدَأً، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَهُ حَالَةٌ مُنْتَظَرَةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوُجُوبُ فَوَقَفَ عَلَى بُلُوغِهَا، (وَلَا وَقَصَ لِغَيْرِ سَائِمَةِ) بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وُقُوفًا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، فَيَجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ مِنْ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَأَثْمَانٍ بِقَدْرِهَا..(فَصْلٌ) فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ: وَهُوَ: اسْمُ جِنْسٍ، وَالْبَقَرَةُ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَدَخَلَتْهَا الْهَاءُ عَلَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ مِنْ جِنْسٍ. وَالْبَقَرَاتُ: الْجَمْعُ، وَالْبَاقِرُ: جَمَاعَةُ الْبَقَرِ مَعَ رُعَاتِهَا، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ: بَقَرْتُ الشَّيْءَ، إذَا شَقَقْتُهُ؛ لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ بِالْحِرَاثَةِ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا: الْإِجْمَاعُ فِي الْأَهْلِيَّةِ، وَدَلِيلُهُ: حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إلَّا جَاءَتْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ، تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، كُلَّمَا قَعَدَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ إلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَأَقَلُّ نِصَابِ بَقَرٍ أَهْلِيَّةٍ أَوْ وَحْشِيَّةٍ ثَلَاثُونَ)، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَنِي إلَى الْيَمَنِ أَنْ لَا آخُذَ مِنْ الْبَقَرِ شَيْئًا حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ» (وَفِيهَا)، أَيْ: الثَّلَاثِينَ (تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ)، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ، (لِكُلٍّ مِنْهُمَا)، أَيْ: التَّبِيعِ وَالتَّبِيعَةِ (سَنَةٌ) سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ، وَهُوَ جَذَعُ الْبَقَرِ الَّذِي اسْتَوَى قَرْنَاهُ، وَحَاذَى قَرْنَاهُ أُذُنَهُ غَالِبًا. (وَيُجْزِئُ) عَنْ تَبِيعٍ (مُسِنٍّ)، أَيْ: مَالَهُ سَنَتَانِ. (وَيَتَّجِهُ: وَ) الْمُسِنُّ (أَوْلَى) بِالْإِجْزَاءِ مِنْ التَّبِيعِ؛ لِأَنَّهُ أَغْلَى ثَمَنًا، وَأَوْفَرُ لَحْمًا، وَأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.(وَ) يَجِبُ (فِي أَرْبَعِينَ) مِنْ بَقَرٍ (مُسِنَّةٌ) لِحَدِيثِ مُعَاذٍ، وَفِيهِ: «وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً» رَوَاه الْخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ مُتَّصِلٌ. (لَهَا)، أَيْ: الْمُسِنَّةِ (سَنَتَانِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَلْقَتْ سِنَّهَا غَالِبًا، وَهِيَ الثَّنِيَّةُ. وَلَا فَرْضَ فِي الْبَقَرِ غَيْرَ هَذَيْنِ السِّنَّيْنِ (وَتُجْزِئُ أُنْثَى) مِنْ بَقَرٍ (أَعْلَى مِنْهَا)، أَيْ: الْمُسِنَّةِ (سِنًّا) عَنْهَا بِالْأَوْلَى، وَ(لَا) يُجْزِئُ (مُسِنٌّ) عَنْ مُسِنَّةٍ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، (وَلَا) يُجْزِئُ عَنْ مُسِنَّةٍ (تَبِيعَانِ) اقْتِصَارًا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ (وَفِي سِتِّينَ) مِنْ بَقَرٍ (تَبِيعَانِ، ثُمَّ يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ بِزِيَادَةِ عَشَرَةٍ عَشَرَةٍ، فَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَ) فِي (كُلِّ أَرْبَعِينَ: مُسِنَّةٌ، فَفِي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ)، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ وَفِيهِ: «فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، فَعَرَضُوا عَلَيَّ أَنْ آخُذَ مَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ وَالْخَمْسِينَ، وَمَا بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ، وَمَا بَيْنَ الثَّمَانِينَ وَالتِّسْعِينَ، فَأَبَيْتُ ذَلِكَ، وَقُلْت لَهُمْ: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَدِمْتُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ السِّتِّينَ تَبِيعَيْنِ، وَمِنْ السَّبْعِينَ مُسِنَّةً وَتَبِيعًا، وَمِنْ الثَّمَانِينَ مُسِنَّتَيْنِ، وَمِنْ التِّسْعِينَ ثَلَاثَةَ أَتْبَاعٍ، قَالَ: وَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ لَا آخُذَ فِيمَا بَيَّنَ ذَلِكَ سِنًّا إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مُسِنَّةً أَوْ جَذَعًا». (فَإِذَا بَلَغَتْ) الْبَقَرُ (مَا يَتَّفِقُ فِيهِ الْفَرْضَانِ، كَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَكَإِبِلٍ، فَيُخَيَّرُ) مُخْرِجٌ (بَيْنَ) إخْرَاجِ (ثَلَاثِ مُسِنَّاتٍ وَأَرْبَعَةِ أَتْبِعَةٍ) لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا، (وَلَا يُجْزِئ ذَكَرٌ فِي زَكَاةٍ إلَّا هُنَا) وَهُوَ التَّبِيعُ، لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ وَيُجْزِئُ الْمُسِنُّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ.(وَ) إلَّا (ابْنُ لَبُونٍ وَحِقٍّ وَجَذَعٍ)، أَيْ: تَبِيعٌ وَمَا فَوْقَهُ (عِنْدَ عَدَمِ بِنْتِ مَخَاضٍ) عَنْهَا، وَتَقَدَّمَ، (وَ) إلَّا (إذَا كَانَ النِّصَابُ مِنْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ كُلُّهُ كَذَلِكَ)، أَيْ: ذُكُورًا، كَأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ، فَلَا يُكَلَّفُهَا مِنْ غَيْرِ مَالِهِ.
|